السبت، 18 يوليو 2015

خالد بن الوليد

حاله في الجاهلية

- وكان خالد كغيره من أبناء قريش معاديا للإسلام ناقما على النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين الذين آمنوا به وناصروه، بل كان شديد العداوة لهم شديد التحامل عليهم، ومن ثم فقد كان حريصا على محاربة الإسلام والمسلمين. 
- وتابع خالد بن الوليد منذ حداثة عهده ما يلحق بالمسلمين من اضطهاد وتعذيب ورغم ذلك فلم يؤثر ذلك على المسلمين إلا زيادة في الصمود، وإلا زيادة في التمسك بالدين الجديد، ورأى خالد أن معظم رفاقه قد ابتعدوا عنه، فها هو عمر بن الخطاب وسواه من سادة قريش وعبيدهم قد التفوا كلهم حول الرسول صلى الله عليه وسلم. 
- وكان في طليعة المحاربين لهم في كل المعارك التي خاضها الكفار والمشركون ضد المسلمين. 
- وكان له دور بارز في إحراز النصر للمشركين على المسلمين في غزوة أحد، حينما وجد غرة من المسلمين بعد أن خالف الرماة أوامر النبي صلى الله عليه وسلم، وتركوا مواقعهم في أعلى الجبل، ونزلوا ليشاركوا إخوانهم جمع غنائم وأسلاب المشركين المنهزمين، فدار خالد بفلول المشركين وباغت المسلمين من خلفهم، فسادت الفوضى والاضطراب في صفوفهم، واستطاع أن يحقق النصر للمشركين بعد أن كانت هزيمتهم محققة. 
- كذلك فإن خالدا كان أحد صناديد قريش يوم الخندق الذين كانوا يتناوبون الطواف حول الخندق علهم يجدون ثغرة منه، فيأخذوا المسلمين على غرة، ولما فشلت الأحزاب في اقتحام الخندق، وولوا منهزمين، كان خالد بن الوليد أحد الذين يحمون ظهورهم حتى لا يباغتهم المسلمون. 
- وفي الحديبية خرج خالد على رأس مائتي فارس دفعت بهم قريش لملاقاة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ومنعهم من دخول مكة، وقد أسفر الأمر عن عقد معاهدة بين المسلمين والمشركين عرفت باسم صلح الحديبية. 
- وقد تجلت كراهية خالد للإسلام والمسلمين حينما أراد المسلمون دخول مكة في عمرة القضاء، فلم يطق خالد أن يراهم يدخلون مكة رغم ما بينهم من صلح ومعاهدة وقرر الخروج من مكة حتى لا يبصر أحدا منهم فيها.



إسلامه رضي الله عنه

- أسلم خالد في صفر ٨ هـ، أي قبل فتح مكة بستة أشهر فقط، وقبل غزوة مؤتة بنحو شهرين. 
- ويروى في سبب إسلامه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للوليد بن الوليد أخيه، وهو في عمرة القضاء: * لو جاء خالد لقدمناه *، وقال: ما مثل خالد من جهل الإسلام، ولو كان جعل نكايته وجده مع المسلمين على المشركين، فكتب الوليد إلى خالد يرغبه في الإسلام، ويخبره بما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، فكان ذلك سبب إسلامه وهجرته. 
- وقد سر النبي صلى الله عليه وسلم بإسلام خالد ، وقال له حينما أقبل عليه: * الحمد لله الذي هداك، قد كنت أرى لك عقلا رجوت ألا يسلمك إلا إلى خير *. 
- يروي خالد بن الوليد رضي الله عنه فيقول: لما أراد الله بي ما أراد من الخير قذف في قلبي حب الإسلام وحضرني رشدي، وقلت: قد شهدت هذه المواطن كلها على محمد فليس موطن أشهده إلا انصرفت وأنا أرى في نفسي أني موضع في غير شيء وأن محمدا سيظهر ودافعته قريش بالراح يوم الحديبية ، فقلت: أين المذهب ؟، وقلت: أخرج إلى هرقل، ثم قلت: أخرج من ديني إلى نصرانية أو يهودية فأقيم مع عجم تابعا لها مع عيب ذلك علي ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عام القضية فتغيبت، فكتب إلي أخي: لم أر أعجب ذهاب رأيك عن الإسلام وعقلك عقلك وما مثل الإسلام جهله أحد، وقد سألني رسول الله صلى الله عليه وسلم عنك، فقال: * أين خالد ؟ *، فقلت: يأتي الله به، فقال ما مثل خالد جهل الإسلام فاستدرك يا أخي ما فاتك. 
فلما أتاني كتابه نشطت للخروج، وزادني رغبة في الإسلام، وسرتني مقالة النبي صلى الله عليه وسلم، فأرى في المنام كأني في بلاد ضيقة جدبة، فخرجت إلى بلد أخضر واسع، فقلت: إن هذه لرؤيا، فذكرتها بعد لأبي بكر، فقال: هو مخرجك الذي هداك الله فيه للإسلام والضيق الشرك، فأجمعت الخروج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطلبت من أصاحب فلقيت عثمان بن طلحة، فذكرت له الذي أريد، فأسرع الإجابة وخرجنا جميعا فأدلجنا سحرا، فلما كنا بالهدة إذا عمرو بن العاص فقال: مرحبا بالقوم، فقلنا: وبك، فقال: أين مسيركم، فأخبرناه، وأخبرنا أنه يريد أيضا النبي صلى الله عليه وسلم، فاصطحبنا حتى قدمنا المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أول يوم من صفر سنة ثمان. 
فلما طلعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمت عليه بالنبوة فرد علي السلام بوجه طلق، فأسلمت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: * قد كنت أرى لك عقلا رجوت أن لا يسلمك إلا إلى خير *، وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقلت: استغفر لي كل ما أوضعت فيه من صد عن سبيل الله، فقال: * إن الإسلام يجب ما قبله *، ثم استغفر لي وتقدم عمرو وعثمان بن طلحة فأسلما فو الله ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من يوم أسلمت يعدل بي أحدا من أصحابه فيما يحزبه. 
- وفرح المسلمون بانضمام خالد إليهم، فقد أعزه الله بالإسلام كما أعز الإسلام به، وتحول عداء خالد للإسلام والمسلمين إلى حب وتراحم، وانقلبت موالاته للكافرين إلى عداء سافر، وكراهية متأججة، وجولات متلاحقة من الصراع والقتال.



أهم ملامح شخصيته

- عسكري ممتاز: 
وهب للعسكرية كل حياته، وأعز ما يملك من روح ومال وجهد ووقت، لذلك أصبح جنديا بارع، وقائدا عظيما في آن مع، فحقق بطبعه الموهوب الذي فطره الله عليه وبعلمه المكتسب وخبرته الطويلة إنجازات عسكرية كانت ولا تزال أمثلة رائعة خالدة، لما يمكن أن يقدمه أعاظم قادة التاريخ في كل زمان ومكان، ذلك القائد العظيم امتاز بعقيدة راسخة، ساعدته وهو حديث عهد بالإسلام أن يذهب ليهدم الأصنام التي أمضى عمرا من حياته ينظر إليها على أنها آلهة تعبد، ويقول: يا عزى كفرانك، لا سبحانك، إني رأيت الله قد أهانك. 
تجلت تلك العقيدة في أكثر من موقف في حياته رضي الله عنه ،تلك العقيدة التي جعلته واثقا من نصر الله عز وجل له مهما ادلهمت الخطوب ، كذلك تميز رضي الله عنه بعقلية متزنة، وذلك منذ كان في الجاهلية حيث صارت له الأعنة واقبة من بين كل رجال مخزوم، وهذا ما شهد له به رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال له: * قد كنت أرى لك عقلا رجوت ألا يسلمك إلا إلى خير *. 
كذلك تميز بشجاعة شخصية في كل معاركه، مما جعل كل من يقاتل تحت لواءه يحذو حذوه، فيصنع ويصنعون في ميدان القتال خوارق ومعجزات في الشجاعة والإقدام، كما منحه الله عز وجل لياقة بدنية عالية إذ ولد متكامل الخلقة قويا، كان طويلا ضخم، عريض المنكبين، واسع الهيكل، كما تفرغ للتدريب العسكري، مما قوى قابليته البدنية لتحمل المشاق العسكرية، وقد كان في حياته العسكرية، و في معاركه أكبر دليل على ليقاته البدنية، وإذا كانت الشجاعة، والعقل، واللياقة، والعقيدة من مميزات خالد العسكرية، فإن ذلك لم يمنعه من أن يكون ذا معنويات عالية، لا يحل في مكان إلا رفع معنويات رجاله، وحطم معنويات خصومه، وكان خالد يعتمد على إثارة نوازع الإيمان في نفوس رجاله فيتعهد جيشه بالعظات وبقراءة سورة الجهاد قبل القتال وفي أثناءه وبعده، بل كان من جملة الأسباب التي سوغ بها عمر عزل خالد أن الناس قد فتنوا به. 
- غيورا على دين الله، وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: 
فعن أبي سعيد الخدري قال: بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن بذهيبة في أديم مقروظ لم تحصل من ترابها، قال: فقسمها بين أربعة نفر بين: عيينة بن بدر، وأقرع بن حابس، وزيد الخيل، والرابع إما علقمة، وإما عامر بن الطفيل، فقال رجل من أصحابه: كنا نحن أحق بهذا من هؤلاء، قال: فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: * ألا تأمنونني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر السماء صباحا ومساء *، قال: فقام رجل غائر العينين مشرف الوجنتين ناشز الجبهة كث اللحية محلوق الرأس مشمر الإزار، فقال: يا رسول الله اتق الله، قال: * ويلك أو لست أحق أهل الأرض أن يتقي الله *، قال: ثم ولى الرجل، قال خالد بن الوليد: يا رسول الله ألا أضرب عنقه، قال: لا لعله أن يكون يصلي، فقال خالد: وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه ؟، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: * إني لم أومر أن أنقب قلوب الناس ولا أشق بطونهم *، قال : ثم نظر إليه وهو مقف، فقال: * إنه يخرج من ضئضئ هذا قوم يتلون كتاب الله رطبا لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية *، وأظنه قال: * لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود *. 
وكان رضي الله عنه عزيزالنفس، يغضب لكرامته، فيه حدة، وكانت قسوته على اللذين يستحقونها من المقاتلين فقط، أما غير المقاتلين، فلا خوف عليهم منه.



وفاته رضي الله عنه

- وحينما حضرته الوفاة، انسابت الدموع من عينيه حارة حزينة ضارعة، ولم تكن دموعه رهبة من الموت، فلطالما واجه الموت بحد سيفه في المعارك، يحمل روحه على سن رمحه، وإنما كان حزنه وبكاؤه لشوقه إلى الشهادة، فقد عز عليه وهو الذي طالما ارتاد ساحات الوغى فترتجف منه قلوب أعدائه وتتزلزل الأرض من تحت أقدامهم أن يموت على فراشه، وقد جاءت كلماته الأخيرة تعبر عن ذلك الحزن والأسى في تأثر شديد: لقد حضرت كذا وكذا زحفا وما في جسدي موضع شبر إلا وفيه ضربة بسيف، أو رمية بسهم، أو طعنة برمح، وها أنا ذا أموت على فراشي حتف أنفي، كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء. 
- وعن أبي وائل قال: لما حضرت خالد بن الوليد الوفاة قال: لقد طلبت القتل فلم يقدر لي إلا أن أموت على فراشي، وما من عمل أرجى من لا إله إلا الله وأنا متترس بها، ثم قال: إذا أنا مت فانظروا سلاحي وفرسي فاجعلوه عدة في سبيل الله. 
- وقال جويرية عن نافع قال: لما مات خالد لم يوجد له إلا فرسه وغلامه وسلاحه. 
- وقال عنه عمر: يرحم الله أبا سليمان، لم يترك فرسه وسلاحه في سبيل الله، وكان باستطاعته أن يجمع الأموال الطائلة من فتوحاته الكثيرة، ولكنه أنفقها كله، فمات فقيرا، دعوا نساء بني مخزوم يبكين على أبي سليمان، فإنهن لا يكذبن، فعلى مثل أبي سليمان تبكي البواكي. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق